فصل: روايات واهية ذكرت في الآية الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}.
قوله: {وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ} يجوز في {مَن} ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون موصولة، وفي محلّها وجهان:
أحدهما: أنها في محلّ نصب بفعل محذوف تقديره، قال الله: وأرزق من كفر، ويكون {فأمتعه} معطوفًا على هذا الفعل المقدر.
والثاني: من الوجهين: أن يكون في محلّ رفع بالابتداء، و{فأمتعه} الخبر، دخلت الفاء في الخبر تشبيهًا له بالشرط.
وسيأتي أن أبا البقاء يمنع هذا، والرد عليه.
الثَّاني من الثلاثة الأوجه: أن تكون نكرة موصوفة ذكره أبو البقاء، والحكم فيها ما تقدّم من كونها في محلّ نصب أو رفع.
الثالث: أن تكون شرطية، ومحلّلها الرفع على الابتداء فقط، و{فَأُمتِّعُهُ} جواب الشرط.
ولا يجوز في {من} في جميع وجوهها أن تكون منصوبةً على الاشتغال.
أما إذا كانت شرطًا فظاهر لأن الشرطية إنما يفسر عاملها فعل الشرط لا الجزاء، وفعل الشرط عنا غير ناصب لضميرها بل رافعة.
وأما إذا كانت موصولة فلأن الخبر الذي هو {فأمتعه} شبيه بالجزاء، وذلك دخلته الفاء، فكما أن الجمزاء لا يفسر عاملًا فما أشبهه أولى بذلك، وكذا إذا كانت موصوفة فإن الصفة لا تفسر.
وقال أبو البقاء: لا يجوز أن تكون {من} مبتدأ، و{فأمتعه} الخبر؛ لأن الذي لا تدخل الفاء في خبرها إلا إذا كان الخبر مستحقًا بالصلة نحو: الذي يأتينين فله درهم، والكُفْر لا يستحقّ به التمتع.
فإن جعلت الفاء زائدة على قوله الأخفش جاز، أو جعلت الخبر محذوفًا، و{فأمتعه} دليلًا عليه جاز تقديرهك ومن كفر أرزقه فأمتعه.
ويجوز أن تكون {من} شرطية، والفاء جوابها.
وقيل: الجواب محذوف تقديره: ومن كفر أرزق، و{من} على هذا رفع بالابتداء، ولا يجوز أن تكون منصوبة؛ لأن أدوات الشرط لا يعمل فيها جوابها، بل فعل الشرط. انتهى.
أما قوله: لأن الكفر لا يستحقّ به التمتّع فليس بمسلّم، بل التمتُّع القليل والمصير إلى النار مستحقَّان بالكفر.
وأيضًا فإن التمتُّع وإن سلّمنا أنه ليس مستحقًّا بالكفر؛ ولكن قد عطف عليه ماهو مستحقّ به، وهو المصير إلى النار، فناسب ذلك أن يقعا جميعًا خبرًا.
وأيضًا فقد ناقض كلامه؛ لأنه جوز فيها أن تكون شرطية، وهل الجزاء إلاَّ مستحق بالشرط، ومترتب عليه؟ فكذلك الخبر المشبه به.
وأما تجويزه زيادة الفاء، وحذف الخبر، أو جواب الشرط فأوجه بعيدة لا حاجة إليها.
وقرئ {أُمْتِعُهُ} مخفَّفًا من أمتع يمتع، وهي قراءة ابن عامر رضي الله عنه، و{فأمتعه} بسكون العين، وفيها وجهان:
أحدهما: أنه تخفيف كقوله: السريع:
فَاليَوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبِ

والثاني: أن الفاء زائدة وهو جواب الشرط؛ فلذلك جزم بالسكون، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد {فَأمْتِعْهُ ثُمَّ اضْطرَه} على صيغة الأمر فيهما، ووجهها أن يكون الضمير في {قال} لإبراهيم يعني سأل ربه ذلك و{من} على هذه القراءة يجوز أن تكون متبدأ، وأن تكون منصوبة على الاشتغال بإضمار فعل سواء جعلتها موصولة أو شرطية، إلا أنك إذا جعلتها شرطية قدرت الناصب لها متأخرًا عنها؛ لأن أداة الشرط لها صدر الكلام.
وقال الزمخشري: {وَمَنْ كَفَر} عطف على {من آمن} كما عطف {ومن ذرّيتي} على الكاف في {جاعلك} قال أبو حيان: أما عطف {من كفر} على {من آمن} فلا يصح؛ لأنه يتنافى تركيب الكلام؛ لأنه يصير المعنى: قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأرزق من كفر؛ لأنه لا يكون معطوفًا عليه حتى يشركه في العامل.
{من آمن} العامل فيه فعل الأمر، وهو العامل في {ومن كفر}، وإذا قدرته أمرًا تنافى مع قوله: {فأمتعه}؛ لأن ظاهر هذا إخبار من الله تعالى بنسبة التمتع، وإلجائهم إليه تعالى وأن كلًا من الفعلين تضمَّن ضميرًا، وذلك لا يجوز إلاَّ على بعد بأن يكون بعد الفاء قول محذوف فيه ضمير لله تعالى، أيك قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: وازرق من كفر، فقال الله: أمتعه قليلًا ثم أَصطره، ثم ناقض الزمخشري قوله هذا أنه عطف على {من} كما عطف {ومن ذريتي} على الكاف في {جاعلك}.
فقال: فإن قلت لم خص إبراهيم بذلك المؤمنين حتى رد عليه؟
فالجواب: قاس الرزق على الإمامة، فعرف الفرق بينهما بأن الإمامة لا تكون للظالم، وأما الرزق فربما يكون استدراجًا.
والمعنى: قال: وارزق من كفر فأمتعه فظاهر قوله: والمعنى قال: أن الضمير في {قال} لله تعالى، وأن {من كفر} منصوب بالفعل المضارع المسند إلى ضمير المتكلم.
و{قليلًا} نعت لمصدر محذوف أو زمان، وقد تقدم له نظاره واختبار سيبويه فيه.
وقرأ الجمهور: {أَضْطَرُّهُ} خبرًا.
وقرأ يحيى بن وثاب بكسر الهمزة، ووجهها كسر حرف المضارعة كقولهم في أخال: إِخَال.
وقرأ ابن محيصن {أطَّرَّه} بإدغام الضاد في الطاء، نحو: اطَّجع في اضطجع وهي مَزْذولة؛ لأن الضاد من الحروف الخمسة التي يدغم فيها، ولا تدغم هي في غيرها وهي حروف: ضغم شقر، نحو: اطجع في اضطجع، قاله الزمخشرين وفيه نظر؛ فإن هذه الحروف أدغمت في غيرها، أدغم أبو عمرو الدَّاني اللام في {يَغْفِرْ لَكُمْ} [نوح: 4] والضاد في الشين: {لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} [النور: 62] والشين في السين: {العرش سَبِيلًا} [إلاسراء: 42].
وأدغم الكسائي الفاء في الباء: {نَخْسِفْ بِهِمُ} [سبأ: 9].
وحكى سيبويه رحمه الله تعالى أن مْضَّجَعًا أكثر، فدلّ على أن مطّجعًا كثيرٌ.
وقرأ يزيد بن أبي حبيب: {أضطُرُّهُ} بضم الطاء كأنه للإتباع.
وقرأ أبي: {فَنُمَتِّعُهُ ثُمَّ نَضْطَّرُّهُ} بالنون.
واضطر افتعل من الضَّرِّ، وأصله: اضْتَرَّ، فأبدلت التاء طاء؛ لأن تاء الافتعال تبدل طاء بعد حروف الإطباق وهو متعدِّ، عليه جاء التنزيل؛ وقال: البسيط:
إِضْطَرَّكَ الْحِرْزُ مِنْ سَلْمَى إِلَى أَجَإٍ

والاضطرار: الإلجاء والإلزاز إلى الأمر المكوره.
قوله: {أُمَتِّعُهُ} قيل: بالرزق.
وقيل: بالبقاء في الدنيا.
وقيل: بهما إلى الخروج محمد صلى الله عليه وسلم فيقتله أو يخرجهُ من هذه الديار إن قام على الكُفْر، وقيد المتاع بالقلّة؛ لأن متاع الدنيا قليلٌ بالنسبة إلى متاع الآخرة المؤبد.
قوله: {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} المصير فاعل، والمخصوص بالذم محذوف، أي: النار ومصير: مفعل من صار يصير، وهو صالح للزمان والمكان.
وأما المصدر فيقاسه الفتح؛ لأن ماكسر عين مضارعه، فقياس ظرفية الكسر ومصدره الفتح، ولكن النحويين اختلفوا فيما كانت عينه ياء على ثلاثة مذاهب.
أحدها: كالصحيح وقد تقدم.
والثاني: أنه مخير فيه.
والثالث: أن يتبع المسموع فما سمع بالكسر أو الفتح لا يتعدّى، فإن كان {المصير} في الآية اسم مكان فهو قياسي اتفاقًا، والتقدير: وبئس المصير النّار كما تقدم، وإن كان مصدرًا على رأي من أجازه فالتقدير: وبئس الصيرورة صيرورتهم إلى النَّار. اهـ. بتصرف.

.تفسير الآية رقم (127):

قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر بما مهده من أمر البيت دينًا ودنيا أتبعه ببنائه مشيرًا إلى ما حباهم به من النعمة وما قابلوه به من كفرها باختيارهم لأن يكونوا من غير الأمة المسلمة التي دعا لها لما دعا للرسول فقال عاطفًا على {إذ ابتلى} تعديدًا لوجوه النعم على العرب بأبيهم الأعظم استعطافًا إلى التوحيد {وإذ يرفع إبراهيم} أي اذكر الوقت الذي يباشر بالرفع {القواعد من البيت} قال الحرالي: عدّد تعالى وجوه عنايته بسابقة العرب في هذه الآيات كما عدد وجوه نعمته على بني إسرائيل في سابقة الخطاب، فكانت هذه في أمر إقامة دين الله، وكانت تلك في محاولة مدافعته، ليظهر بذلك تفاوت ما بين الاصطفاء والعناية، والقاعدة ما يقعد عليه الشيء أي يستقر ويثبت ويجوز أن يراد بها سافات البناء، لأن كل ساف قاعدة للذي يبنى عليه- قاله الأصبهاني.
ولما أفرد الخليل عليه السلام بهذا الرفع إظهارًا لشرفه بكونه هو السبب الأعظم في ذلك عطف عليه ولده فقال: {وإسماعيل} أي يرفع القواعد أيضًا، ووصل بهذا العمل الشريف قوله: {ربنا} مرادًا فيه القول محذوفًا منه أداة البعد: أي يقولان: {ربنا تقبل منا} أي عملنا بفضلك ولا ترده علينا، إشعارًا بالاعتراف بالتقصير لحقارة العبد وإن اجتهد في جنب عظمة مولاه.
ولما تضمن سؤال القبول المشعر بخوف الرد علم الناقد البصير بالتقصير علله بقوله: {إنك} وأكده بقوله: {أنت السميع العليم} أي فإن كنت سمعت أو علمت منا حسنًا فرده حسنًا، وإن كنت سمعت أو علمت غير ذلك من نحو قول ناشئ عن اختلاج في النفس بما سببه كلال أو إعياء فاغفره. اهـ.
سؤال: لم كان التعبير بالمضارع {يرفع} دون الماضى فلم يقل: وإذ رفع؟
الجواب: خولف الأسلوب الذي يقتضيه الظاهر في حكاية الماضي أن يكون بالفعل الماضي بأن يقول وإذ رفع إلى كونه بالمضارع لاستحضارِ الحالة وحكايتها كأنها مشاهدة لأن المضارع دال على زمن الحال فاستعماله هنا استعارة تبعية، شبه الماضي بالحال لشهرته ولتكرر الحديث عنه بينهم فإنهم لحبهم إبراهيم وإجلالهم إياه لا يزالون يذكرون مناقبه وأعظمها بناء الكعبة فشبه الماضي لذلك بالحال ولأن ما مضى من الآيات في ذكر إبراهيم من قوله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه} [البقرة: 124] إلى هنا مما يوجب امتلاء أذهان السامعين بإبراهيم وشئونه حتى كأنه حاضر بينهم وكأن أحواله حاضرة مشاهدة، وكلمة إذ قرينة على هذا التنزيل لأن غالب الاستعمال أن يكون للزمن الماضي وهذا معنى قول النحاة أن إذ تخلص المضارع إلى الماضي. اهـ.
سؤال: لم أوقع العطف على الفاعل بعد ذكر المفعول والمتعلقات؟
أجاب الشيخ الطاهر ابن عاشور بقوله:
وللإشارة إلى التفاوت بين عمل إبراهيم وعمل إسماعيل أوقع العطف على الفاعل بعد ذكر المفعول والمتعلقات، وهذا من خصوصيات العربية في أسلوب العطف فيما ظهر لي ولا يحضرني الآن مثله في كلام العرب، وذلك أنك إذا أردت أن تدل على التفاوت بين الفاعلين في صدور الفعل تجعل عطف أحدهما بعد انتهاء ما يتعلق بالفاعل الأول، وإذا أردت أن تجعل المعطوف والمعطوف عليه سواء في صدور الفعل تجعل المعطوف مواليًا للمعطوف عليه. اهـ.

.روايات واهية ذكرت في الآية الكريمة:

قال البغوي:
قوله عز وجل: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيل} قال الرواة: إن الله تعالى خلق موضع البيت قبل الأرض بألفي عام، وكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحتها فلما أهبط الله آدم عليه السلام إلى الأرض استوحش، فشكا إلى الله تعالى فأنزل الله البيت المعمور من ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد أخضر، باب شرقي وباب غربي فوضعه على موضع البيت وقال: يا آدم إني أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشي، تصلي عنده كما يصلى عند عرشي وأنزل الحجر وكان أبيض فاسود من لمس الحيض في الجاهلية فتوجه آدم من أرض الهند إلى مكة ماشيا وقيض الله له ملكا يدله على البيت فحج البيت وأقام المناسك، فلما فرغ تلقته الملائكة وقالوا: بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: حج آدم أربعين حجة من الهند إلى مكة على رجليه فكان على ذلك إلى أيام الطوفان، فرفعه الله تعالى إلى السماء الرابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، وبعث جبريل عليه السلام حتى خبأ الحجر الأسود في جبل أبي قبيس صيانة له من الغرق، فكان موضع البيت خاليا إلى زمن إبراهيم، ثم إن الله تعالى أمر إبراهيم بعدما ولد له إسماعيل وإسحاق ببناء بيت يذكر فيه، فسأل الله عز وجل أن يبين له موضعه، فبعث الله السكينة لتدله على موضع البيت وهي ريح خجوج لها رأسان شبه الحية فأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فتبعها إبراهيم حتى أتيا مكة فتطوت السكينة على موضع البيت كتطوي الحجفة هذا قول علي والحسن.
وقال ابن عباس: بعث الله تعالى سحابة على قدر الكعبة فجعلت تسير وإبراهيم يمشي في ظلها إلى أن وافق مكة ووقفت على موضع البيت فنودي منها إبراهيم أن ابن على ظلها لا تزد ولا تنقص، وقيل: أرسل الله جبريل ليدله على موضع البيت كقوله تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت} فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت فكان إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجر، فذلك قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}. اهـ.
ومن هذه الروايات ما ذكره ابن الجوزى في زاد المسير:
وقال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: لما أمر الله تعالى إبراهيم ببناء البيت؛ ضاق به ذرعًا، ولم يدر كيف يصنع، فأنزل الله عليه كهيئة السحابة، فيها رأس يتكلم، فقال: يا إبراهيم! علّم على ظلي، فلما علّم ارتفعت. وفي رواية أنه كان يبني عليها كل يوم، قال: وحفر إبراهيم من تحت السكينة، فأبدى عن قواعد، ما تحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلًا. فلما بلغ موضع الحجر، قال لإسماعيل: التمس لي حجرًا، فذهب يطلب حجرًا، فجاء جبريل بالحجر الأسود، فوضعه، فلما جاء إسماعيل، قال: من جاءك بهذا الحجر؟ قال: جاء به من لم يتكل على بنائي وبنائك. وقال ابن عباس، وابن المسيب، وأبو العالية: رفعا القواعد التي كانت قواعد قبل ذلك. وقال السدي: لما أمره الله ببناء البيت؛ لم يدر أين يبني، فبعث الله له ريحًا، فكنست حول الكعبة عن الأساس الأول الذي كان البيت عليه قبل الطوفان. اهـ.
وقد ذكر هذه الروايات الموضوعة والمختلقة جمع من المفسرين منهم الطبرى والزمخشري والخازن وابن عادل الحنبلى والسيوطى {فى الدر المنثور} وغيرهم.
وقد رد ابن عطية هذه الروايات فقال:
واختلف بعض رواة القصص: فقيل إن آدم أمر ببنائه، فبناه، ثم دثر ودرس حتى دل عليه إبراهيم فرفع قواعده، وقيل: إن آدم هبط به من الجنة، وقيل: إنه لما استوحش في الأرض حين نقص طوله وفقد أصوات الملائكة أهبط إليه وهو كالدرة، وقيل: كالياقوتة، وقيل: إن البيت كان ربوة حمراء، وقيل بيضاء، ومن تحته دحيت الأرض، وإن إبراهيم ابتدأ بناءه بأمر الله ورفع قواعده.
والذي يصح من هذا كله أن الله أمر إبراهيم برفع قواعد البيت، وجائز قدمه وجائز أن يكون ذلك ابتداء، ولا يرجح شيء من ذلك إلا بسند يقطع العذر، وقال عبيد بن عمير: رفعها إبراهيم وإسماعيل معًا، وقال ابن عباس: رفعها إبراهيم، وإسماعيل يناوله الحجارة، وقال علي بن أبي طالب: رفعها إبراهيم، وإسماعيل طفل صغير.
قال القاضي أبو محمد: ولا يصح هذا عن علي رضي الله عنه، لأن الآية والآثار تردهُ. اهـ.
وقد رد أبو حيان هذه الروايات بقوله:
ذكر المفسرون في ماهية هذا البيت وقدمه وحدوثه، ومن أي شيء كان باباه، وكم مرة حجة آدم، ومن أي شيء بناه إبراهيم، ومن ساعده على البناء، قصصًا كثيرة. واستطردوا من ذلك للكلام في البيت المعمور، وفي طول آدم، والصلع الذي عرض له ولولده، وفي الحجر الأسود، وطولوا في ذلك بأشياء لم يتضمنها القرآن ولا الحديث الصحيح. وبعضها يناقض بعضًا، وذلك على جري عاداتهم في نقل ما دب وما درج. ولا ينبغي أن يعتمد إلا على ما صح في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقال ابن جرير بعد أن ذكر الروايات السابقة:
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن إبراهيم خليله أنه وابنه إسماعيل، رفعا القواعد من البيت الحرام. وجائز أن يكون ذلك قواعد بيت كان أهبطه مع آدم، فجعله مكان البيت الحرام الذي بمكة. وجائز أن يكون ذلك كان القبة التي ذكرها عطاء، مما أنشأه الله من زبد الماء. وجائز أن يكون كان ياقوتة أو درة أهبطا من السماء. وجائز أن يكون كان آدم بناه ثم انهدم، حتى رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل. ولا علم عندنا بأي ذلك كان من أي، لأن حقيقة ذلك لا تدرك إلا بخبر عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، بالنقل المستفيض. ولا خبر بذلك تقوم به الحجة فيجب التسليم لها، ولا هو- إذ لم يكن به خبر، على ما وصفنا- مما يدل عليه بالاستدلال والمقاييس، فيمثل بغيره، ويستنبط علمه من جهة الاجتهاد، فلا قول في ذلك هو أولى بالصواب مما قلنا. والله تعالى أعلم. اهـ.